, ومن الشائع رؤيتهم يتجولون أمام إشارات المرور بين عجلات السيارات يتسولون بشكل مباشر أو غير مباشر ـ مسح زجاج السيارات ـ متعرضين لبرد الشتاء القارس , وحمى الصيف اللاهبة , وخطر الدهس من قبل إحدى السيارات التي تسير عند فتح الإشارة ولازال الأطفال يتجولون بينها , وعدا عن الإهانة التي يتعرض لها الأولاد في الشوارع أو الاستغلال من الكبار فإن الشارع كما هو معروف مرتع خصب للعنف والجريمة والانحراف .
ـ الجانحون : وهم أكثر فئات الأطفال بؤسا , فهم يخضعون لعنف المجرمين الكبار الذين يشغلونهم , وكذلك للعنف حين القبض عليهم , حيث يعاملون في سجون الأحداث تماما كالمجرمين البالغين . إن سجون الأحداث كما أشارت إلى ذلك التحقيقات الصحفية الكثيرة التي أجريت في السنوات الماضية , سواء تلك المختصة بالبنات أو الصبيان , مكان لممارسة العنف الفائق بجميع أشكاله , فكل شيء مباح هناك من قبل المشرفين الذين لا يعدو ن كونهم سجانين , دون أي خبرة بالمساعدة الاجتماعية أو المعالجة النفسية , وببساطة يمكن القول أن الأطفال الجانحين يعاملون هناك كالبهائم لا كالبشر , ولا أعتقد أن هناك جهة يمكن أن تحمي حقوقهم هناك , بل حتى حياتهم . وهكذا تغدو إصلاحيات الأحداث مكانا مهيئا لتخريج مجرمين سيفقدون إنسانيتهم ويروعون مجتمعاتهم بتطوير حقدهم وأساليب الجريمة عندهم بعد قضاء فترة عقوبتـــهم .
لاشك أن هناك بعض الإضاءات التي تتخلل هذه الصورة التي تبدو للوهلة الأولى سوداء :
ـ فالعنف الذي يمارسه الأهل تجاه أطفالهم والذي هو جزء من الإرث الجمعي لمجتمعاتنا يقابله حب كبير من كثير من الأهل نحو أبنائهم , وإحساسهم بالالتزام والمسؤولية تجاههم , وعمق الروابط العائلية ومتانتها .
ـ لقد بدأ العنف تجاه الأطفال وبخاصة ضمن الأسرة , يتراجع مع درجة الوعي والثقافة التي بدأت تنير عقول شريحة لا بأس بها في المجتمع وبخاصة في أوساط الطبقة الوسطى .
ـ تراجع العنف الذي كان منتشرا في الريف والذي كان يعتبر الطفل جزءا من اليد العاملة في الأسرة الفلاحية , بانتشار التعليم في الريف , ورغبة الأسر الريفية في تعليم أطفالها لتحسين مستوى معيشتها , وقد تبع انتشار التعليم طبعا , انتشار الوعي وبالتالي فمن الطبيعي أن تحسنت شروط حياة الطفل والمرأة في الريف .
ـ تراجع العنف الممارس ضد الأطفال في المدارس بوقوف الأهل وبخاصة الواعين منهم ضد أسلوب العنف من أجل التعلم , وبعد أن أخذت الصحافة دورها في فضح بعض الممارسات العنيفة من المعلمين تجاه طلابهم .
ـ تمارس الدولة دورا وإن كان خجولا وفي حده الأدنى للحد من هذه الظاهرة كالتوقيع على المعاهدات التي تحمي حقوق الطفل , ومحاولة تغيير و سن بعض القوانين التي تحمي الطفل , كمنع الضرب في المدارس , وإن كانت لا تطبق اليوم , إلا أنها خطوة نحو الأمام . ويعتبر صدور قانون التعليم الإلزامي الذي يشمل المرحلة الإعدادية من أهم الخطوات التي قامت بها الدولة في الفترة الأخيرة , والتي ستقود إلى منح الأطفال مزيدا من الحقوق في المجتمع .
ـ تحاول بعض التجمعات الأهلية , أو الباحثين , أو المعنيين بالأطفال , أو المدافعين عن حقوق الإنسان في المجتمع , العمل قدر استطاعتهم على التعريف بحقوق الطفل , وتغيير النظرة إلى العملية التربوية , لكن جهودهم تصطدم بالكثير من المعوقات التي تكبلهم , أهمها عدم دعم الدولة لهم , رغم أن أكثر المجتمعات تقدما تعطي أهمية كبيرة لمؤسسات المجتمع المدني التي تعتير رديفا اساسيا لعمل المنظمات الحكومية .
ـ بدأ الإعلام في السنوات الأخيرة بجهود المؤسسات الرسمية أو الأفراد المؤمنين بقضايا حقوق الإنسان والمخلصين الساعين إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية , سواء في الصحافة أو الإعلام المرئي والمسموع , بالتعريف بحقوق الأطفال ومحاولة تغيير الكثير من العادات البالية و فضح كثير من حوادث العنف الواقع على الأطفال .
أخيرا لابد من تعاضد جهود جميع المخلصين في المؤسسات الحكومية أو الأهلية ، وتضافر جهودها لنشر الوعي بحقوق الطفل وأساليب التربية السليمة القائمة على التفهم والحرية المسؤولة سواء في البيت أو المدرسة ، ومحاربة عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس ، وإقامة محكمة يلجأ إليها كل فرد مضطهد من الأسرة يتعرض لعنف شرس من قبل أحد أفراد الأسرة ، وتشجيع الجمعيات التي تعنى بحقوق الطفل ، وتشجيع وسائل الإعلام وبخاصة الأعمال الدرامية التي تشاهد بكثرة على ترسيخ مفاهيم جديدة تقوم على احترام الطفل والحفاظ على حقوقه في الحياة والحرية والتعلم وتنمية الهوايات و الرياضة و اللعب , كي ينشؤوا مواطنين أحرارا أسوياء .